المحتوى
المقدمة
الأندلس، الفردوس المفقود، أوج الحضارة الإسلامية، شمس سطعت على العالم أجمع. خلَّفت لنا هذه الحقبة التاريخية إرثاً حضارياً، وكنزاً معرفياً، ونوراً ما زال يهتدى به إلى هذا اليوم. نتناول اليوم شكلاً من أشكال الأدب ولون من ألوان الشعر الذي ابتكره أهل الأندلس، ألا وهو فنُّ الموشَّحات.
نستعرض في هذا المقال معنى الموشَّح لغةً واصطلاحاً، مصدر هذا الفنّ وأسباب ظهوره، وأشهر شعراء فنّ الموشَّحات الأندلسيّة.
الموشَّح لغةً
مُوَشَّحٌ (اسم):
v اسم الْمَفْعُول مِنْ وَشَّحَ
v الجمع: مُوشّحات أوْ تَواشِيح
v وثوبٌ موشَّحٌ: مُوَشَّى، أيْ مُزَيَّنٌ مَنْقُوشٌ.
وَشّحَ (فعلٌ):
v وَشَّحَ الوَلَدَ الثَّوْبَ: أَلْبَسَهُ إِيَّاهُ.
v وَشَّحَ صَدْرَهُ بِوِسَامٍ: عَلَّقَ، زَيَّنَ.
الوشاحُ هوَ لِباسٌ تًلفُه المرأةُ على رقبتِها وخاصرِها.
يقول صاحب لسان العرب نقلاً عن الجوهري في صحاحه:
” الوشاح يُنسج من أديمٍ عريض ويُرصّع
بالجواهر، وتشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها “
والمراد بالعاتق: ما بين العنق والكتف،
وبالكشح: الخاصرة التي يدور الحزام حولها.
الموشَّح اصطلاحاً
هوَ فنٌ شعريٌّ مستحدثٌ يختلفُ عنِ الشعرِ العربيِّ التقليديِّ، وتَختلفُ المُوَشّحاتُ عنِ الشعر العربيِّ بالتزامِها بقواعدَ معينةٍ، وأنّها تُكتَبُ باللغةِ العاميّةِ أو الدارجةِ ولها اتصالٌ قويٌّ بالغناءِ. وسببُ تسميِتِها بذلكَ نسوقُه لكمْ منْ كلامِ مصطفى السقا في كتابِهِ (المُختارُ من الموشّحات):
” والموشحات الشعرية إنما سميت بذلك، لأن تعدد قوافيها على نظام خاص جعل لها جرسا موسيقياً لذيذاً، ونغماً حلواً، تتقبله الأسماع وترتاح له النفوس ، وقد قامت القوافي فيها مقام الترصيع بالجواهر واللآلئ في الوشح، فلذلك أطلق عليها «الموشَّحات» أي الأشعار المزينة بالقوافي والأجزاء الخاصة، ومفردها موشَّح، أي نظم أو شعر موشَّح، وإذا أتت بالتاء فقيل «موشَّحة» فمعناها منظومة موشَّحة ، أي مزينة، ولا يقال قصيدة موشَّحة، لأن لفظ القصيدة خاص بأشعار العرب المنظومة في بحورهم الستة عشر، على ما بينه الخليل أي علم العروض. ” (المُختارُ من الموشّحات ص36)
وقد اشتُهِرَ هذا الفنُّ وذاعَ صيتُهُ خصوصًا في عهد المرابطين حيثُ كانَ الملوكُ والأمراءُ يقيمونَ الأفراحَ والليالي الملاحَ للاستماعِ لأشهرِ الموشّحينَ في زمانِهم. وقد دّعتْ عدةُ أسبابٌ لظهورِ هذا الفنِّ سنتعرفُ عليها معَ زميلي علي في الشريحةِ التاليةِ.
نشأة الموشَّحات
كان لانتشار الغناء الدور الأكبر لظهور فن الموشحات، إضافة إلى اختلاط العرب بالأجانب في إسبانيا واطلاعهم على آدابهم وأغانيهم الشعبية المتحررة من القوافي والأوزان.
وذهبت بعض الأقوال إلى أن أصل فن الموشحات يعود إلى فرق فرنسية من المغنيين تسمى (بالتروبادور)، كانت تؤم البلاد الإسبانية من جنوب فرنسا لتغني للنبلاء طلبا للجوائز والعطاء، وكانت هذه الأغاني عبارة عن قطع لا ضابط لها ولكن لها شبه بأوزان ومقاطع الموشحات الأندلسية.
لكن تم نقض هذه الأقوال من طرف العديد من النقاد والأدباء لضعف حجتها، وعدم وجود أي دلائل أو نصوص لهذه الأغاني تدعو للمقارنة والتمحيص.
كما كان هناك رأي آخر يرجع أصل فن الموشحات إلى المشرق، وأن موشحة (أيها الساقي) للشاعر العباسي ابن زُهر، أول موشحة في الأدب العربي.
أسباب الظهور
إن تاريخ الموشَّحات الأندلسية يعود إلى القرن الثالث الهجري حينها ازدهرت الموسيقى بشكل ملحوظ وبات الغناء ينتشر في أرجاء الأندلس خصوصاً مع قدوم زرياب الذي ساهم بنشر الموسيقى.
ومثلما قلنا فإن نشأة الموشحات الأندلسية يعود لأواخر القرن الثالث الهجري ومن أسباب ظهور الموشحات ما يلي ذكره:
v اختلاط الأغاني الشعبية الإسبانية بشعر الأدباء العرب وتأثرهم به.
v الاتجاه إلى الكلام اللين والرقيق في الشعر.
v تطور الشعر بحيث خرج من الأوزان القديمة.
v تسهيل غناء الشعر من الموشحات وتلحينه.
v الميل إلى تسكين آخر الكلام في الكثير من القصائد.
v الملل من نظم القصائد وفق الوتيرة القديمة والميل للألفاظ العامية.
أشهر شعراء الموشَّحات الأندلسية
بعد أن تعرفنا معنى الموشَّحِ لغةً واصطلاحاً، ونقلنا لكم قصةَ نشأة هذا الفن الغنائيِّ الجميل، نذكر لكم كوكبة من أشهر شعراء فنِّ الموشحاتِ الأندلسيَّةِ – المُوشِّحينَ – الذين اشتهروا بكتابة الموشَّحِ.
لسان الدين بن الخطيب
هو محمد بن عبد الله بن الخطيب المشهور بلسان الدين بن الخطيب. اشتهر في موشَّحات المدح. قضى معظم حياته في غرناطة في خدمة بلاط بني نصر وعرف بلقب ذي الوَزارَتَينِ: الأدب والسيف. كما نـُقِشت أشعاره على حوائط قصر الحمراء بغرناطة. وهو صاحب الموشَّحة الشهيرة ( جادك الغيث )،
جادَكَ الغيْـــــثُ إذا الغيْـــــثُ هَمـــــى
يا زَمـــــــانَ الوصْـــــــلِ بالأندَلُـــــسِ
لمْ يكُـــــــنْ وصْلُــــــــكَ إلاّ حُلُمــــــــا
في الكَـــــرَى أو خِلسَـــــةَ المُخْتَلِـــــسِ
ويعتبر لسان الدين علامة أندلسيَّاً، فقد كان شاعراً وكاتباً وفقيهاً ومؤرخاً وسياسياً وطبيباً وفيلسوفاً في أهل الأندلس. درس الأدب والطب والفلسفة في جامعة القرويين بمدينة فاس. نشأ في أسرة عرفت بالعلم والفضل والجاه، وتنحدر أصولها من إحدى القبائل العربية القحطانية التي وفدت إلى الأندلس.
أبو بكر بن زُهر
هو أبوبكر بن عبدالملك بن مروان والمعروف بأبي بكر بن زهر. ولد في إشبيلية وهو مـن نوابغ الطب والأدب في الأندلس. ولَـقب ( ابن زهر ) هو كنيةُ أسرةٍ من علماء المسلمين نشأت في الأندلس مطلع القرن العاشر الميلادي. وكان شاعراً مُجيداً وله موشَّحات اشتهرت في عصره وما زالت تغنى إلى اليوم، مثل: ( أيُّها الساقي إليكَ المُشتَكى )،
أَيُّهـــــا الســـــاقي إِلَيـــــكَ المُشتَــــــــكى
قَد دَعَونـــــــــاكَ وَإِن لَم تَسمَـــــــع
وَنَديـــــــمٌ هِمـــــــتُ في غُرّتِـــــــــه
وَشَرِبــــــــت الراحَ مِن راحَتِــــــــه
ذكره ابن خلدون في مقدمته، خلال حديثه عن الموشحات بلسان ابن سعيد:
” وسابقُ الحلبة التي أدركتُ هو أبو بكر بن زهر. وقد شرّقتْ موشحاته وغرّبتْ “
ومن موشحاته المشهورة أيضاً: ( ما لِلمُولَّهِ من سُكرهِ لا يُفيق )،
ما لِلمُولَّــــــــــــهِ مِن سُكــــــــــــرِهِ لا يُفيــــــــــــق
يا لَــــــــه سَكــــــــران
مِن غَيرِ خَمــــــــــرٍ يا للكَئيــــــــــبِ المَشــــــــــوق
يَنـــــــــدُبُ الأَوطـــان
ابن عَربي
هو محمد بن علي بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي، المشهور بمحيي الدين بن عربي. كان متصوفاً وشاعراً وفيلسوفاً، ويُعرف لدى المتصوفين باسم (الشيخ الأكبر)، ويعتبر أحد الأولياء في الصوفية. ويعتبر ابن عربي من أشهر من كتب الموشحات التي تحمل طابع التصوف والزهد، ومن أشهر ما قال في الزهد: ( تدرع لاهوتي بناسوتي )،
تــــــــــدرعَ لاهـــــــــوتي بناســـــــــوتي
وحصِّـــــــــــل موسى اليمِّ تابـــــــــــوتي
فمـــــــــن قال عني إنني العبـــــــــدُ
وقد صحَّ أنــــــــي الملــــــــك الفــــــــردُ
اشتهرت أعمال ابن عربي وكان لها شأن كبيرٍ حتى خارج العالم العربي. كتب العديد من الكتب والمؤلفات، كما أثارت تعاليمه في مجال علم الكون جدلا كبيرا في عدة أجزاء من العالم الإسلامي. وقد قيل في ابن عربي أنه كافر لنشره العديد من الكفريات والضلالات. قال ابن خلدون:
” ومن هؤلاء المتصوفة: ابن عربي وابن سبعين وابن برجان وأتباعهم ممن سلك سبيلهم ودان بنحلتهم، ولهم تواليف كثيرة يتداولونها، مشحونة من صريح الكفر، ومستهجن البدع، وتأويل الظواهر لذلك على أبعد الحدود وأقبحها، مما يستغرب الناظر فيها نسبتها إلى الملة أو عدها في الشريعة، …، وأما حكم هذه الكتب المتضمنة لتلك العقائد المضلة وما يوجد من نسخها في أيدي الناس مثل الفصوص والفتوحات المكية لابن عربي، فالحكم في هذه الكتب وأمثالها، إذهاب أعيانها إذا وجدت بالتحريق بالنار والغسل بالماء حتى ينمحي أثر الكتاب. “
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
” من قال عن أحد من البشر: إنه جزء من الله، فإنه كافر في جميع الملل. “
أشهر الموشَّحات الأندلسيَّةِ
نذكر لكم مجموعةً من أشهر الموشَّحاتِ الأندلسيَّةِ بإيجازٍ واختصار:
v (يا ليلُ الصَّبِّ متى غَدُهُ) علي الحصري القيرواني
v (جادك الغيث) لسان الدين بن الخطيب
v (أيُّها الساقي إليكَ المُشتَكى) أبو بكر بن زُهر
v (حَيِّ الوُجوهَ المِلاحا) أبو بكر بن زُهر
v (لو تَرجعُ الأيامُ بعدَ الذهابْ) ابنُ زَمْرَك
v (يا شَقيقَ الروحِ من جسدي) ابنُ سَناءِ المُلك
v (دمعٌ مسفوحٌ) الأعمى التُّطَيْلِي
v (ذهَبت شمسُ الأصيل) أبو جعفر بن سعيد الأندلسي
v (تدرَّع لاهوتي بناسوتي) محيي الدين ابن عربي
v (حُثّ كأس الطَلا على الزهر) ابن مالك السرقسطي
المصادر:
– كتاب المختار من الموشحات لمصطفى السقا
– الديوان
– البيان
– مقال
كتابة المقال:
– الموشح لغة واصطلاحا – بواسطة يمان حسن
– نشأة الموشحات وأسباب الظهور – بواسطة علي شيخ
– أشهر شعراء الموشحات الأندلسية – بواسطة عبدالرحمن باسم
